إيهاب عبد الحميد's Blog

January 18, 2011

الشاعر ابراهيم داود عن قميص هاواي في الأهرام



«قميص هاواى» لإيهاب عبد الحميد
المصدر: الأهرام اليومى
بقلم: ابراهيم داود


مجموعة «قميص هاواي» القصصية التى فازت بجائزة يوسف إدريس 2010، تؤكد أن فن القصة القصيرة لا يزال يمتلك إمكانيات هائلة، تؤهله للصمود أمام زمن الرواية الذى يعيش فيه النقاد، ويبتكرون له كل عام جائزة سخية جديدة، يحكمون فيها بالطبع.
الفائز إيهاب عبد الحميد، من مواليد 1977، صدر له بائعة الحزن (قصص) 1998، عشاق خائبون (رواية) 2005، بالإضافة إلى ترجمته الجميلة لـ«قصة الجنس عبر التاريخ» بجزءيه، استطاع فى المجموعة الجديدة «قميص هاواي» أن يعبر عن هواجس جيل يشعر بالوحدة، فيهرب من العالم، إلى عوالم لا تخصه، ومن الصعب أن ينتمى إليها. البطل فى القصص التسع وحيد تماما، محاصر بالخيالات والكوابيس والرتابة، يسعى طوال الوقت إلى الخروج بحثا عن حل جذرى لأحزان (صغيرة أو كبيرة لا فرق)، وفى الطريق تتوالد الحكايات، برشاقة ولغة خالية من الشحوم، فى قصة العطش، توجد مبالغة فى تصوير الحاجة إلى شربة ماء، مرورا بكتابة صحف المعارضة «انقطعت المياه منذ أيام عن سائر المدن المصرية، ولم يذكر المسئولون السبب، لكنهم أكدوا أن كل شئ على ما يرام، وأن المياه ستعود قريبا إلى مجاريها»، إلى تداعيات ذلك على الكائنات كلها، ولكن وسط هذه المبالغات توجد علاقة فريدة بين الراوى وفتاة تعرف أن مشكلتها أنها «عبيطة»، هى لا تتوقف عن الثرثرة، السعادة التى منحتها له كانت تؤجل إحساسه بالعطش، ولكنها لم تحل المشكلة أو المشكلات التى تتراكم أمامه، مثل قدمه التى صغرت، أو الشجرة الضخمة التى ظهرت فجأة أمام البيت ولم تكن موجودة قبل ذلك، وأشياء من هذا القبيل، وفى قصة «مع كانجارو» التى تدور حول شخص فتح الباب ليجد الحيوان (استرالى الموطن)، فيستضيفه، ويغير حياته تماما، يفقد بسببه زوجة المستقبل وعملا مغريا فى دبي، ويتعرض للتحقيق بسببه (كيف دخل الكانجارو مصر؟)
الراوى يعترف «عانيت منه الكثير، لكن تلك المعاناة ولدت علاقة قوية بيننا، جزء منها قائم على الابتزاز العاطفي. إنه يعرف جيدا كيف يكبلنى بالشفقة، بالإحساس بالذنب»! وربما هذه هى مشكلة الراوى فى كل القصص، هو مستعد للابتزاز، فى قصة الكاتبة، تستعين به رجاء ليكون موجودا عندما يأتى شقيقها (الذى تحبه بشكل غير سوي)، رجاء التى تكمن مشكلتها فى ثرائها الفاحش، ومع هذا يستفزه أن ما تكتبه جميل، وفى قصة مؤتمر «الكمة» الإفريقية، الراوى الذى ذهب إلى «أكرا» لتغطية القمة الإفريقية كصحفى لا يجد جدوى من القمم هذه، ويجد نفسه فى نهاية الأمر على الشاطئ محاطا بالغرباء وعازفى الطبول ومروضى الثعابين الذين يشربون على حسابه ويعاملونه «كأبيض» وليس إفريقيا مثلهم، الراوى يقول «أنا مصاب بمرض روحى غريب، لنقل انه مرض استباق النهايات، عندما أفتح زجاجة بيرة مثلجة أراها وهى منتهية، عندما أتسلم وظيفة جديدة أرانى وأنا أقدم استقالتي، وعندما أحب أرانى فى لحظة فراق»، فى المجموعة كل الشخصيات تقريبا على حافة الخطر أو الجنون، شخصيات معذبة مثل موتو الشرس فى القصة التى تحمل اسمه وأحمد صديقه، بائع الفضة التشادى الذى هرب من ليبيا إلى غانا، شخصيات قصة «قميص هاواي» جميعا.
إيهاب عبد الحميد بهذه المجموعة الجميلة حجز لنفسه مقعدا فى الصفوف الأولى لكتاب القصة القصيرة فى مصر، وفوزه بجائزتها هو فوز لجيله الذى يسعى لتقديم شئ مختلف وصادق، حتى لو كان كئيبا وموجعا، وبقى شئ أخير لفت نظرى فى تقرير اللجنة المحترمة التى منحته الجائزة وعلى رأسها الروائى الكبير خيرى شلبي، «تكشف المجموعة عن كاتب يدرك جيدا ما يود كتابته، وما ينبغى أن يتوقف عنده، وما يود إبرازه فى أقل قدر من الكلمات، يحرص على تنويع التفاصيل من دون أن يفقد الخيط الأساسي، قابض على لحظته القصصية ببراعة شديدة، مع استخدام التنويعات السردية المختلفة، القادرة على خلق مشهدية بصرية صافية»، هذا الكلام الجميل من الممكن أن يقال عن أى عمل قصصى جيد. ولكن أهمية المجموعة الفائزة (والصادرة عن دار ميريت)، فى شئ أبعد من الجمل الجاهزة، هو ضرورة عدم وضع سياج حول الوحدة الشاسعة التى يعانيها جيل إيهاب عبد الحميد.
2 likes ·   •  0 comments  •  flag
Published on January 18, 2011 03:35

January 8, 2011

سيد محمود عن قميص هاواى فى الحياة اللندنية



قميص هاواي»... «ألف ليلة وليلة» كافكاوية
الأحد, 12 ديسيمبر 2010
القاهرة – سيد محمود

سلطت جائزة يوسف إدريس التي منحتها لجنة القصة في المجلس الأعلى للثقافة في مصر للكاتب الشاب إيهاب عبدالحميد، الضوء على مجموعته القصصية «قميص هاواي» التي نالت الجائزة عن جدارة بعد أن وصفتها اللجنة في حيثياتها التي أعلنها مقررها خيري شلبي بـ«التميز».

ولفتت اللجنة الى اعتماد قصص المجموعة تراكم التفاصيل المرتبطة بحالة، أو بموقف أو بشخصية يسعي القاص إلى تصويرها، جاعلاً من ذلك التراكم وسيلة لإثارة مشاعر القارئ أو للكشف عن وجه غير مرئي من الوجوه الشخصية المحكي عنها. وبحسب اللجنة «تكشف المجموعة عن كاتب يدرك جيداً ما يود كتابته، وما ينبغي أن يتوقف عنده، وما يود إبرازه في أقل قدر من الكلمات، يحرص على تنويع التفاصيل من دون أن يفقد الخيط الأساسي، قابضاً على لحظته القصصية ببراعة شديدة، مع استخدام التنويعات السردية المختلفة، القادرة على خلق مشهدية بصرية صافية».

وإيهاب عبدالحميد من مواليد عام 1977، قاص وروائي صدرت له من قبل رواية بعنوان «عشاق خائبون» وفازت بجائزة نجيب ساويرس للآداب عام 2007، إضافة إلى ترجمته لكتاب «قصة الجنس عبر التاريخ» للكاتب رى تاناهيل، وله مجموعة قصصية واحدة صدرت عن دار شرقيات بعنوان «بائعة الحزن» عام 1998.

تتكون المجموعة الصادرة عن دار ميريت هذا العام من 9 قصص هي: العطش / موتو / قميص هاواي / الكاتبة / القاهرة / البنت الفقيرة والشامننبزي / حكاية أطفال / مؤتمر الكمة الأفريكية / مرعة البنات / مع كانجارو. والميزة اللافتة فيها تأتي من حرص صاحبها على أن تنتظم كلها حول سؤال رئيس عن «الحياة» ومعناها وأشكال التعامل معها. ومن ثم تتكرر فيها ثيمات أسلوبية وتقنيات سردية واضحة، لا تغيب عن فطنة القارئ، فغالبية القصص تدور في أجواء غرائبية، لكنها ليست تلك الأجواء التي يسهل ردها الى مناخات «الواقعية السحرية» على رغم أن الكاتب يرسم فيها، تفاصيل موغلة في واقعيتها إلا أنه يخرجها من هذا الإطار الواقعي الى عالم يقوم على الاصطدام بالغريب والمستحيل حدوثه، بحيث يجاوره ويتداخل فيه، على نحو يبدو فيه وكأنه يجسد مقولة مارتن جي الذي يرى أن «الغريب هو مجاز هذا العصر».

يبدو عبد الحميد في قصصه وثيق الصلة بموروثه الأدبي القادم بامتياز من عالم «ألف ليلة وليلة». فنحن في مواجهة حكاية تتوالد منها حكايات لا تنتهي، كأنما هي نهر تتعدد روافده، لكن تجاور هذه الحكايات يشير الى ولعه بعالم بورخيس لا سيما «كتاب الرمل» حيث العوالم تتجاور وتطرح أسئلته المعمقة عن «الوجود» لتنتهي الى إيمان بأن العالم المألوف أمامنا هو ليس كذلك.

يتشكك القارئ في واقعية ما يقرأه بداية من نموذج «البنت العبيطة» في قصة «عطش» وصولاً الى «الكانجارو» لكنه يقبل تلك النماذج ويتعايش معها، وكذلك يتأمل بشغف صورة الشحاذ العجوز الذي يطرق على أبواب السيارات في الليل ليوقظ سكان الشارع باعتباره مشهد «ما بعد واقعي».

يستند عالم عبد الحميد الى جملة من العلامات التي تتكرر بانتظام في سرد ممتع سلس لا يقوم على مغامرات مع اللغة. ويلجأ الكاتب القادم من عالم الصحافة الى أبسط مستوياتها الدلالية، حتى وهو يرصد الهواجس التي تنتاب أبطاله، وتسمح باختلاط الواقع مع الأحلام، لا يلجأ الى «المجاز» أو موروثه البلاغي القائم على فيض التشبيهات، وقصصه كلها مكتوبة بضمير المتكلم وتكثف لحظات النشوة الناتجة من تعاطي مختلف أنواع المخدرات لتولد الشعور بأن العالم الذي تحكيه «أجمل من أن يكون حقيقياً».

في كتابه «الفن والغرابة / ميريت 2010» يشير الناقد المصري شاكر عبد الحميد الى أن الاغتراب قد يؤدي الى حالة من حالات الإسقاط الذي ينطوي على نوع من التجسيد لأفكارنا وتصوراتنا وأفعالنا على شيء خارجي، شيء من خلاله نرى أنفسنا كما هو حال حائط دافنشي الذي يرى الفنان عليه أشكالاً وصوراً وكائنات يجسدها في أعماله بعد ذلك، وهنا يكون الحائط في البداية وسيلة نبتكرها ونغذيها ونطورها بالأفكار، وسيلة لا قيمة لها في ذاتها لكنها تصبح هدفاً ومحفزاً لا يستطيع الفنان العمل من خلاله كشأن كل المتعينات التي يلجأ إليها الفنانون كالموسيقى والمخدرات: «لذلك فأن لجوء الكاتب الى شخوص تتعاطي المخدرات لا يفهم إلا بوصفه فعلاً من أفعال الإسقاط يمكنه من رسم شخوصه الذين يعلن هوياتهم المهنية بوضوح وهم على حدود الجماعة، غير منخرطين في أية ممارسة فعلية تؤكد تلك الهوية، لأنهم يعانون الاستلاب والضياع الكاشف عن فقدان الإنسان لذاته في ظل تحكم خاص للسلطة المهيمنة (عطش) أو اغترابه عن ذاته بفعل الماكينة أو الآلية (مزرعة البنات / كينجارو) ليعاني ما أشار إليه ماركس في حديثه عن «الاغتراب الاقتصادي».

وعلى نحو أو آخر يذكر لجوء إيهاب عبد الحميد المتعمد الى هذا العالم بما كتبه القاص المصري الراحل يحيي الطاهر عبد الله (1938 – 1981) في متوالياته القصصية الشجية «إسكافي المودة» التي كانت تروي ما يدور في حانة مخالي لتكشف ما فيها من «فانتازيا العنف القبيح» إذ يستخدم التقنيات السردية القائمة على لغة شفهية موحية.

ويتطور تناول الكاتب لموضوع «استلاب» شخوصه من الاغتراب «المكاني» خصوصاً الى حالة يسميها عالم النفس «أثر التغريب» الذي نلحظه في قصة «الكاتبة» حيث يستعرض الراوي تجربته في كتابة تحقيق صحافي عن مجرم خطر وينتهي الأمر بعدم كتابة التحقيق والتعاطف مع بطله عوض الذي يحدث عن «زنا المحارم» الذي يعد ممارسة طبيعية في عائلته. ويتضاعف «أثر التغريب» في تناول الكاتب لنموذج مجرم آخر هو «موتو» وإجرامه لا هدف له سوى التحايل على الواقع لابتكار سبل للعيش، وليس سبلاً للمتعة مثل بطل قصة «قميص هاواي» الذي يفاخر بكونه «لا منتميا».

وكما انتبهت لجنة تحكيم جائزة يوسف إدريس في حيثياتها فأن قصص إيهاب عبد الحميد فيها الكثير من الاحتجاج على أوضاع اقتصادية وسياسية قائمة كما في قصة «الكاتبة»، لكنه الاحتجاج القائم على إدراك التناقضات المجتمعية التي تكون نبرة السخرية سبيلاً وحيداً للتعاطي معها بألم يفاقم من أثرها ولا يغض الطرف عنها كما في قصة «عطش» الدالة بعنوانها الفياض والتي تعالج وضعاً فانتازياً قائماً على تفشي ظاهرة العطش مع انقطاع مياه النيل ونفاد كميات العصير التي يلجأ إليها البطل لمقاومة عطشه الدال على نزعة كافكاوية طاغية.
3 likes ·   •  0 comments  •  flag
Published on January 08, 2011 12:06

محمد فرج عن قميص هاواى فى جريدة البديل



قميص إيهاب عبد الحميد الملون .. كتابة تمنح قارئها لحظة استمتاع بالقصة القصيرة

كتب – محمد فرج:

بهدوء يأخذنا إيهاب عبد الحميد عبر مجموعته القصصية “قميص هاواي” الصادرة مؤخرا عن دار ميريت إلي عالم فانتازي يخصه وحده، عكف على صناعة أجزاءه بإتقان، لتصبح القراءة منذ الصفحة الأولى رحلة استمتاع في المقام الأول، بهذا العالم الفانتازي الغارق في واقعيته الملموسة جدا، الأمر الذي يجعل قصص المجموعة التسع –المروية كلها بضمير المتكلم- كأنها مشاهدات عين مختلفة لما يحدث حولها والذي تراه بطريقتها الخاصة.

منذ القصة الأولى “العطش” يبدو ظل الواقع قويا حيث تخبرنا الجملة الأولى أن المياه قد انقطعت ونكتشف إن انقطاع المياه لم يكن يخص منزلا واحدا ولكن انقطعت المياه عن البلاد كلها حتى النيل صار خاليا مليئا بالقاذورات والأوساخ..الأمر الذي يذكرنا بأزمة المياه التي أصابت مصر خلال العام الماضي لكن تعامل الناس مع انقطاع المياه يبدو لا مباليا يتعامل مع الحدث باعتيادية شديدة كأن الأمر يحدث باستمرار.

انقطاع المياه ليس الحدث الأساسي ولكنه خلفية لأحداث أخرى تقع لبطل النص حيث يشعر بقدمه تصغر ثم تعود لحجمها مرة أخرى ويده تكبر وتعود لحجمها مرة أخري وتنبت شجرة ضخمة أمام البيت لتسد المنفذ ثم تختفي مرة أخرى ، ومع بداية انقطاع المياه يقابل البطل فتاة تحكي له مشكلتها مع الحياة حيث أنها “عبيطة”! عبط الفتاة يتلخص في كونها تسمي الأشياء بأسمائها وهو ما يراه الآخرون “عبطا” لأن الأشياء يجب أن تسمى بأسماء أخرى وهي تعجز عن ذلك فقررت أن تتعامل مع الأمر كما يراه الآخرون فصارت” عبيطة” ولكنها تستمر في تسمية الأشياء كما تراها.

تسمية الأشياء بأسمائها ، وبراءة عين الراوي في استقبال مع يحدث حوله عبر القصص التسع في هو ما يصنع فانتازيا المجموعة فالأمر ليس مرتبط بظهور كائنات فضائية ولكن عندما يظهر كانجارو أمام بيت بطل نص “مع كانجارو” تبدأ الأشياء في أخذ شكل أخر، واقعي أيضا فتغادر الخطيبة ويرفض السفر لدول الخليج وفقط يعتاد الحياة مع الكانجارو.

العامل الأكثر ظهورا خلال قصص المجموعة هو إخلاص الكاتب للكتابة، ووعيه بمفهوم القصة القصيرة التي تبدو هنا متمايزة عن الخواطر الشخصية أو القصيدة النثرية. لا يفتعل الكاتب أحداثا للرغبة في الاندهاش المجاني أو استعراض العضلات أمام القراء ولكن يبدو النص مخلصا لإحداثه ولتطورها الذي يصنعه الكاتب بدأب وحرص وبراءة تخلق دهشة حقيقية وإمتاعا يمكن القارئ من الدخول إلى مستويات أكثر عمقا داخل كل قصة بسهولة.

اللغة في قصص “قميص هاواي” مصنوعة بعناية سلاسة تندمج فيها الفصحى والعامية وتتعدد مستوياتها بحسب مستويات المتحدثين واختلاف مستوياتهم، لتخلق لكل شخصية عالمها وخلفيتها الخاصة. بدون إسقاط متعمد من الكاتب على شخصياته ربما يعلن الرواة كراهيتهم لمهنة الصحافة في أكثر من نص –وإيهاب عمل صحفيا- يمارس فيه الراوي مهنة الصحافة ولكن لا يظهر ذلك متماشيا مع حركة كل شخصية داخل النص.

إيهاب –الحائز على جائزة ساويرس في الرواية 2007- مارس كتابة القصة من قبل حين أصدر أول كتبه “بائعة الحزن” 1998 لكن تبدو المسافة بين المجموعتين طويلة قطعها الكاتب باجتهاد ووعي باختلاف الفنون السردية عن بعضها البعض. مجموعة “قميص هاواي” لإيهاب عبد الحميد كتاب ممتع وواعي وإشارة جديدة إلى أن هناك كتابة حقيقية تصنع في هدوء ودون صخب أو افتعال. كتابة تمنح قارئها لحظة استمتاع- غابت كثيرا- بالكتابة وبالقصة القصيرة.
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Published on January 08, 2011 12:03

July 30, 2010

حوار إيهاب عبد الحميد مع عناية جابر فى السفير اللبنانية



إيهاب عبد الحميد: انتصار القارئ على الكاتب فشل للعمل الروائي

إيهاب عبد الحميد روائي وقاصّ مصري شاب في بداية الثلاثينيات من عمره، يشتغل على نتاجاته بروية، غير مهووس بالألقاب والنجومية على حساب نضج العمل نفسه أو اكتماله على الشكل الذي يليق بكاتب جادّ. لإيهاب مجموعة قصصية سابقة عن شرقيات «بائعة الحزن»، ورواية عن ميريت «عشاق خائبون» فازت بجائزة ساويرس عام 2005. «قميص هاواي» موضوع حديثنا هنا مع الكاتب، صدر حديثاً عن ميريت (2010)، وفيه نرى في قصصه التسع، اللعب المفتوح، العالي للسرد الذي لا يتعثّر في إقامة علاقة فورية مع القارئ.

في مجموعتك القصصية ( تسع قصص) الصادرة حديثاً عن «ميريت» تحت عنوان «قميص هاواي» يلعب السرد في عالمين أحدهما واقعي والآخر فانتازي. ما الذي تريده فنياً وشخصياً من أخذ القارئ الى هذه الازدواجية المُربكة الى حدّ؟

} الموضوع متعلق بكيفية إدراك العالم، كيفية النظر إليه، من هذه الزاوية أعتبر أن كتابتي واقعية، فالخيال في حد ذاته واقع. الخيال خبرة من خبراتي، مثله مثل مشاهداتي الحياتية وخبراتي الشخصية. مثلما أن الشخصيات التي أقابلها تصلح مادة للكتابة، فالأحلام التي تراودني هي الأخرى تصلح مادة للكتابة. لكني أعتقد أن استخدامي للفانتازيا في هذه المجموعة كان مختلفا إلى حد ما. لم تكن هي مقصودة في حد ذاتها، بل معظم القصص شديدة الواقعية، فقط يدخلها خيط فانتازي، مثلا في قصة «مع كانغارو» يفتح الراوي الباب ليجد أمامه كانغارو. هذا هو الجزء الفانتازي، لكن كل ما يحدث بعد ذلك واقعي تماما. وفي قصة «العطش» تنقطع المياه عن البلاد لأيام، ويجف نهر النيل حتى تظهر الأسماك نافقة في قعره، المياه تختفي من حياة الناس، هذا هو الجزء الفانتازي، لكن يتبعه جزء واقعي تماما، فالناس يعيشون بشكل معتاد ويحاولون التأقلم على ذلك الوضع الغريب وشبه المستحيل. لا أرى في ذلك ازدواجية، بل مجرد محاولة لتغيير زاوية الرؤية. بل إني أنظر إلى نفسي ككاتب «كلاسيكي»، يؤمن بفن القصة كما كتبه الأقدمون، ويؤمن بفن الرواية كما وضع أسسه الرواد.

هل ترى معي أن الواقع نفسه، واقعنا العربي تحديداً، يتضمّن الكثير من المشاهد «الفانتازية» في المعاني كافة، أكثر من الفانتازيا نفسها؟

} واقعنا العربي مثل واقع العالم الغربي. الاثنان في نفس الورطة. وهي نفسها ورطة الإنسان من ألف سنة، ومن ألفي سنة، ومن خمسة أو عشرة آلاف سنة. أنا في آرائي السياسية يمكن أن أنتقد واقعنا العربي وأقارنه بالغرب وما إلى ذلك. أما أثناء الكتابة فأنا أنظر إلى العالم. متى كان العالم مكانا يخلو من السحر؟ وأين هو المكان الذي يخلو من الغرائب؟ أنا في واقع الأمر لا أنظر لواقعنا العربي حين الكتابة، بقدر ما أنظر إلى واقع الإنسان، موقعه من الوجود، تعامله مع الحياة وما يطرأ عليها من تغير جذري أو تافه.

تترّيث بين إصدار وآخر، أيّ إنك من الكتّاب المُقلين. لماذا؟ وما هي خطتّك للنشر؟ وكيف استقبل النقاد مجموعتك القصصية السابقة «بائعة الحزن» وروايتك «عشّاق خائبون»؟ هذا بعيداً عن فوزها بجائزة ساويرس؟

} نعم أتريث. التريث فضيلة، أليس كذلك؟ مع ذلك فلست من الكتاب «المقلين»، مجموعتان قصصيتان ورواية، الرواية تتجاوز أربعمئة صفحة، إلى جانب ترجمة لكتاب «قصة الجنس عبر التاريخ» تتجاوز خمسمئة صفحة من القطع الكبير. لماذا أعد مقلا إذاًً وأنا ما زلت في أوائل الثلاثينيات؟ أعتقد أن إنتاجي حتى الآن يتلاءم مع سني ومع خبراتي. لا أريد أن أحشو عقول الناس بأفكار مكررة، أو بتصورات ساذجة عن الحياة. ما أصل إليه وأرضى عنه وأظنه عميقا أكتبه، وما لم أصل إليه بعد أعمل على الوصول إليه. سوف يستغرق ذلك وقتا، كما يستغرق أي شيء وقتا. لكنني في النهاية أكون راضيا عن عملي. الآن أنا بصدد رواية كبيرة، تضم نحو خمسين شخصية أساسية بخلاف الشخصيات الفرعية العديدة، مثل هذه الرواية تستحق أن أخصص لها خمس سنوات على الأقل. لماذا أبخل عليها بهذا الوقت؟ أنا أؤمن بالفن الكبير، بمعنى أنه عندما يكون لديك رواية، فأنت تبذلين كل ما يلزم من وقت وجهد لإنجازها على الوجه الأكمل. وما دون ذلك ليس مقبولا. إنني لا أكتب لكي أصير ثريا، ولا لكي أصير نجما. أنا أكتب لأخرج للعالم عملا جيدا، سواء استغرق عاما أو عشرة أعوام.
من هذه الزاوية، لا أنتظر اهتماما نقديا عظيما، كل رأي يأتي يسعدني، وكل رأي يغيب أنتظره في المستقبل. كذلك ليس لدي خطة للنشر. لدي خطة للكتابة. طبعا أحيانا ما تصيبني الرغبة في التواجد مثل أقراني من الكتاب، ويدفعني ذلك لإنجاز مشروعات صغيرة أثناء عملي على مشروعات أكبر. لكن ذلك لا يتحول أبدا إلى تخاذل أو تسرع.

يُخيّل لي أنك تلعب مع القارئ اكثر ممّا تكتب له، من هنا اشتراطك عليه في كل قصة، فرضية ما تقلب الحقائق، ويكون فيها القارئ ضحية (إذا صحّ التعبير) لمزاجك وخيالك الجامح؟

} اللعب هو أساس الفن. الحضارة الإنسانية منشأها اللعب. الإنسان الأول كان يخرج ليصطاد، ثم يأكل ويشرب ويمارس الجنس، أما بقية الوقت فكان يقضيه في اللعب. يخبط على كفيه، يصفر بفمه، يصارع صاحبه، يعبث في الطين تحت قدميه، يرسم على جدران الكهف. اللعب هو الأساس في الفن. أما كون القارئ ضحية فهو أمر محتوم. العلاقة بين القارئ والكاتب لا يجب أبدا أن تقوم على التوقع أو التفاهم المسبق. على الكاتب أن يلاعب القارئ، أن ينزعه من مكانه ويلقيه في عالم آخر، أو يلقيه في نفس العالم ولكن من زاوية أخرى غير تلك التي اعتاد أن يعيشها. قد تطلقين على القارئ في تلك الحالة صفة «ضحية»، لكنه في الواقع يستمتع بدور الضحية. إن انتصار القارئ على الكاتب هو فشل للعمل الأدبي. والأمر نفسه في السينما وفي سائر الأعمال الفنية الأخرى. على الكاتب أن يلاعب القارئ دوما، وبمجرد أن يبدأ القارئ في الملل سيكون على الكاتب أن يقدم له لعبة أخرى. إن متلقي الفن الحقيقي يعشق دور الضحية. أنا عن نفسي أعشق دور الضحية عندما أقرأ عملا أدبيا.
أحد الأوجه السحرية للفن هو أنه يسيطر على المتلقي. الفنان يقول للمتلقي تعالى معي كي أريك شيئا لم تره من قبل. إذا نجحت في أن تجعلي متلقي الفن يسلم نفسه، متخليا عن كل تصوراته المسبقة، متخليا عن تحفزه للانتصار عليك، متخليا عن بروده ولا مبالاته تجاه كل ما سوف يقال له أو كل ما سيعرض عليه، هنا يكون النجاح الحقيقي والمبهر.


ماذا تقرأ؟ ولمن من كتّاب القصة أو الرواية؟ وهل في قراءاتك حيّز للشعر؟

} أقرأ كثيرا، ما يعنى أنني أقرأ للجميع. لا يمكن أن أقول أيهم أكثر تأثيرا في، وإن بحت لك بأكثر كاتب أحبه ـ على سبيل المثال ـ سيبدو ذلك وكأنه مقتطع من السياق، إذ سيكون علي ساعتها أن أفسر لماذا أحب هذا الكاتب تحديدا. بالطبع أقرأ شعرا، لكن ليس بالقدر الكافي الذي يجعلني أقول إنني من قراء الشعر الأشاوس، كما أشاهد السينما، لكن كغيري من المشاهدين. هناك مجالات عدة ما زلت أسعى أن أفتحها. مؤخرا اهتممت بالفن التشكيلي، ليس فقط بالقراءة عن الفنانين أو مشاهدة وتحليل أهم اللوحات في تاريخ الفن، وإنما بدأت أنا شخصيا في الرسم والتصوير. إنني ـ عموما ـ لا أعرف عن الشعر بالقدر الذي يرضيني، لا أعرف عن الموسيقى بالقدر الذي يرضيني، لا أكتب بالقدر الذي يرضيني، ولا أعيش بالقدر الذي يرضيني.

عوالم قصصك سينمائية بامتياز، وفيها تنّقل في الأزمنة والأمكنة ما يُثري السرد بالبصريات التي تحتاجها بعض السينما؟ هل تكتب وفي ذهنك سيناريوهات ما؟

} لا أوافق على وصف كتابة ما بأنها سينمائية، الكتابة سابقة عن السينما، والسينما مشتقة من الكتابة. الكتابة الوصفية أو المتنقلة بين المشاهد أو كتابة الصورة أو الكتابة البصرية كلها أنواع أصيلة في الكتابة من قبل أن تظهر الكاميرا إلى الوجود، من قبل أن يظهر تتابع المشاهد والكادراج والمونتاج، السينما برغم كل ما وصلت إليه من تقنيات تحاول جاهدة أن تحقق جزءا من الخيال الذي تحققه الكتابة وليس العكس.

كتبت القصة والرواية، أيها أقرب الى ذائقتك؟ ولماذا؟

} هما عالمان مختلفان. أنا أحب المانغو والمشمش، ولا أستطيع أن أقول أيهما أقرب إلى قلبي أو ألذ على لساني. عموما الرواية فن عظيم، عبقري في بنيته، وفي سنوات تطورها الأخيرة أصبحت أيضا فنا فضفاضا، يتسع للعديد من الفنون. أصبحت أشبه بحقل واسع يمكن فيه أن تبتنى دارا، وأن تربي ماشية، وأن تزرعي، وأن تلعبي وأن تتزوجي، وأن تمرحي مع أطفالك، وأن تقابلي جيرانك.. أو كما وصفتها في روايتي «عشاق خائبون» هي وجبة دسمة فيها من كل شيء. الرواية تتحمل أفكارا مجردة، وتتحمل قصصا وحكايات، وتتحمل تحليلا للشخصيات، وتتحمل نقدا تشكيليا وموسيقيا، بل أكاد أقول إنها تتحمل ما لا يتحمله فن آخر. أما القصة فمختلفة. القصة «سكيتش»، رسم سريع وتلقائي، له جماليات مختلفة تماما، ربما من أهم جمالياتها السرعة في الإبداع والسرعة في التلقي.
عموما، أنا اعتدت أن أقول عن نفسي إنني روائي بالسليقة، رغبتي دائما في مصارعة شخصيات وأحداث متشابكة ومعقدة وصولا إلى أعماق إنسانية. لكنني مع ذلك أعشق القصة القصيرة. كالفنان الذي قد يقضي سنوات في نحت تمثال هائل، لكنه في الأثناء ـ وفي لحظات الروقان ـ يستطيع أن يرسم «سكيتشات» بالقلم الرصاص لا تقل قيمة عن حفره في الصخر.

إصداراتك عن «شرقيات» و«ميريت» احتاجت جهود أصدقاء مصريين للحصول عليها. ألا يؤّثر التوزيع المحدود على قراءة الكاتب بشكل عادل، وهل فعلاً الإنترنت حلّ هذه المشكلة؟

} كما ذكرت لك من قبل أنا كاتب أقرب إلى الكلاسيكية، ما زلت لا أفهم فكرة «الكاتب النجم» الذي يذيع صيته بعد كتاب أو اثنين، لم أتخيل أبدا أن أصبح «بيست سيلر» من أول كتاب أو ثاني كتاب، ومن كتاب قضيت في كتابته بضعة أشهر. هذا ليس أنا. لا أقصد أنني أعارض ذلك، بل أكن للكتاب ذائعي الصيت كل احترام وتقدير، لكنني لست من هذا النوع ببساطة.
أنا أنظر لنفسي كالتالي: ما زلت في الثلاثينات، لي ثلاث كتب إبداعية، وكتابان مترجمان، أعمل على رواية ضخمة أنجزت منها جزءا كبيرا جدا. لدي مخططات لأعمال قصصية وروائية أخرى. أحتاج مزيدا من الوقت كي أصل إلى شرائح أكبر من القراء، كي أصل إليهم بشكل طبيعي، ليس بشكل عابر عن طريق وضع بعض الكتابات على الإنترنت، وليس بشكل شاذ عن طريق العمل على فكرة مثيرة تحقق لي طفرة في المبيعات. أحتاج إلى الوقت، إلى العمل، ومزيد من العمل، بعد عشر سنوات أو عشرة كتب من المؤكد أن الأحوال سوف تكون أفضل، ساعتها ستجدين كتبي في مكتبات بيروت، وستقرأين عنها في عروض أهم الصحف والمجلات. لست متعجلا، فأنا ممن يتحلون بفضيلة الصبر.

حاورته: عناية جابر
 •  0 comments  •  flag
Published on July 30, 2010 12:35